موقع السراج

Alsiraj Banner Image

إرادة الله تعالى المطلقة و إرادة الإنسان الحرة و كيفية التوفيق بينهما

يأتي التساؤل في هذه النقطة بعدة وجوه كلها لها نفس الرد و من أمثلة ذلك

  • إذا كان الله تعالى قد هدى من أراد و أضل من أراد فلماذا يحاسبنا إذن و هو من قرر لنا مصائرنا مسبقا؟
  • كيف يمكن التوفيق بين إرادتين حرتين (إرادة الله تعالى و إرادة الإنسان) رغم أنهما قد تتعارضا؟
  • هل يناقض القرآن الكريم نفسه عندما ذكر آيات تقر بإرادة الله تعالى المطلقة و آيات أخرى تقر بحرية الإنسان؟

و المراد التساؤل كيف تقوم إرادتان حرتان بالتحكم في الإنسان (إرادة الله تعالى و إرادة الإنسان) فمن المرفوض عقلا وجود إرادتين حرتين تعملان بلا تصادم أو تعارض و كيف ندعي أننا نتحكم في حياتنا بكامل إرادتنا بل و نحاسب على قراراتنا رغم ان الديانات تقول أن الله تعالى قد حدد مسار حياتنا مسبقا بل و كتب أقدارنا و هو ما لا يمكننا تغييره

هذا التساؤل قد يظهر ايضا بسبب وجود بعض الآيات القرآنية التي تقر بمشيئة الله تعالى المطلقة مثل الآية الكريمة في سورة الكهف أية 17 حيث يقول تعالى: ((مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا)) و امثلة كثيرة لآيات تحمل نفس المعنى فإذا كان الله تعالى قد قرر مصائرنا سلفاً فلماذا يحاسبنا إذن طالما هو من قرر من يهدي و من يضل ؟

الرد على هذا الرأي
رغم ما قد يبدو للنظرة الأولى من تعارض فإن إرادة الله تعالى المطلقة و إرادة الإنسان الحرة لا تعارض بينهما فالله تعالى يهدي من يشاء و يضل من يشاء حقيقةً و لكنها ناتجة عن فعل الإنسان و إختياره بنفسه و بإرادته الحرة –اما الهدى و إما الضلال- فهو من يختار إما ان يسير وفقا لما يرضي الله تعالى فيوفر الله تعالى له بقدرته سبحانه ما يعينه على السير في الطريق الذي إختاره أو ان يختار الإنسان ان يسير منافيا لشرع الله تعالى فييسر له الله الطريق الذي إختاره

إذن الله تعالى يحدد لك الإختيارات المتاحة لك- و التي لا يمكنك الخروج عنها- ثم تختار انت من بينها ما تشاء ثم ييسر الله تعالى لك السير في الطريق الذي إخترته بإرادتك مثال ذلك – و لله المثل الأعلى- ان تعطي ابنك الخيار بين الذهاب للحديقة او لعب البلاي ستيشن مثلا لاحظ انت من وضع الإختيارات الأولية (الحديقة/البلاي ستيشن) ثم هو يختار ما يشاء –وفقا لرغبته- ثم تيسر له تنفيذ إرادته –فتأخذه للحديقة بسيارتك او توصيل جهاز البلاي ستيسن له - وفقاً لما اختاره هو لنفسه.

من هذا المنظور نجد أنه لا تعارض بين الإرادتين لأن إرادة الإنسان نطاقها الإختيار بين الإختيارات التي سمح الله له بها كما يمكننا الآن فهم التوافق و عدم التعارض بين الأيات التي تصف قدرة الله تعالى المطلقة و حرية إرادة الإنسان و فهم المقصود الحقيقي من الآيات التي

  • تقر قدرة الله تعالى المطقة مثل: ((سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)) – سورة الاعراف آية 146
  • و التي تقر بحرية إرادة الإنسان مثل : ((...وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)) – سورة آل عمران آية 145

و أيضا يمكننا الآن فهم الآيات التي توضح جليا هذه العلاقة مثل الآيات الكريمات من سورة الإسراء الآيات من 18 إلى 20 : ((مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا))

و لنا هنا توضيح مهم لقوله تعالى : ((قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)) – سورة الأنعام آية 149 فلو اراد الله تعالى ان يهدي البشر جميعا قصرا -كالملائكة- لفعل لكنه تعالى شاء ان يمنحنا الإرادة الحرة و كذلك قوله تعالى في سورة هود الأيتين 118 و 119 : ((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) فالإختلاف دليل وجود الإختيارات المتعددة و وجود الإرادة الحرة التي تنتقي ما تشاء من هذه الإختيارات

و يقول الدكتور مصطفى محمود في مقاله مخير ام مسير من كتابه الشيطان يحكم : ((وحواجز البيئة وضغوط الظروف لا تقوم دليلاً على عدم الحرية بل هي على العكس دليل على وجود هذه الحرية ..فلا معنى للحرية في عالم بلا عقبات .. وفي مثل هذا العالَم الذي بلا عقبات لا يُسمَى الإنسان حراً .. إذ لا توجد لرغباته مقاومات يشعر بحريته من خلال التغلب عليها .والحرية لا تُعبِّر عن نفسها إلا من خلال العقبات التي تتغلب عليها ..فهي تكشف عن نفسها بصورة جلية من خلال الفعل ومقاومة الفعل ولهذا كانت الضغوط والعوائق والعقبات من أدلة الحرية وليس العكس .))