موقع السراج

Alsiraj Banner Image

وصايا النبي صلى الله عليه و سلم
أهمية السنة

عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : (دعوني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم علي أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)
رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم 6/ 2658 (6858)، ومسلم في كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر 2/ 975 (1337)

أخي المسلم : هذه وصية عظيمة الشأن ، تبين أهمية السنة ،وتحذر من الاختلاف ، انتهي عن كثرة المسائل على وجه التعنت والتكلف والتعمق وقد وردت بها عدة روايات متقاربة المعنى ، منها
عن أبى هريرة قال : خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج
فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟
فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قلت :نعم لوجبت ولما استطعتم
ثم قال : ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم . فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه - أخرجه (الدارقطنى) من وجه آخر مختصرا وقال فيه فنزل قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم)
المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1337 - خلاصة حكم المحدث : صحيح

وعن ابن عباس ، كان قوم يسألون رسول الله صلي الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبى ؟ ويقول الرجل تضل ناقته : أين ناقتي ؟ فأنزل الله هذه الآية :(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء) - رواه البخاري
المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4622 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
فدلت هذه الأحاديث على النهى عن السؤال عما لا يحتاج إليه ما يسوء السائل جوابه ، وعلى النهى عن السؤال على التعنت والبعث والاستهزاء كما كان يفعله كثير من المنافقين وغيرهم وقريب من هذا : سؤال الآيات واقتراحها على وجه التعنت كما كان يسأله المشركون وأهل الكتاب قال عكرمة : إن الآية نزلت في ذلك

ويقرب من ذلك السؤال عما أخفاه الله عن عباده ولم يطلعهم عليه كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح . ودلت ـ أيضا ـ على نهي المسلمين عن السؤال عن الحج هل يجب كل عام أم لا ؟
وفي الصحيح عن سعد بن أبى وقاص عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته)
وقال الأوزاعى رحمه الله : (إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط ، فلقد رأيتهم أقل الناس علما)
قلت : المغاليط : أو الأغلوطات : هي شداد المسائل كما قال الأوزعى

وكان النبي صلي الله عليه وسلم ينهي عن : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ولم يكن النبي صلي الله عليه وسلم يرخص في المسائل إلا للأعراب ونحوهم من الوفود القادمين عليه يتألفهم بذلك. فأما المهاجرون والأنصار المقيمون بالمدينة الذين رسخ الإيمان في قلوبهم فنهوا عن المسألة ، كما في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان قال : أقمت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة ، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبي صلي الله عليه وسلم

وعن أنس رضي الله عنه قال : نهينا أن نسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن شيء فكان عجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع
وفي مسند البزار عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : ما رأيت قوما أخبر من أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة كلها في القرآن
(يسألونك عن الخمر والميسر)
(يسألونك عن الشهر الحرام)
(يسألونك عن الأهلة)
(ويسألونك عن اليتامى) وذكر الحديث

وقد كان أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم أحيانا يسألون عن حكم حوادث قبل وقوعها لكن للعمل بها عند وقوعها كما قالوا له : إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب ؟
وسأله حذيفة عن الفتن وما يصنع فيها . فهذا الحديث وهو قوله صلي الله عليه وسلم : (ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم) يدل على كراهة المسائل وذمها ، ولكن بعض الناس يزعم أن ذلك كان مختصا بزمن النبي صلي الله عليه وسلم لما يخشى حينئذ من تحريم ما لم يحرم ، أو إيجاب ما يشق القيام به ، وهذا قد أمن بعد وفاته صلي الله عليه وسلم ، ولكن ليس هذا وحده هو سبب كراهة المسائل ، بل له سبب آخر وهو الذي أشار إليه ابن عباس في قوله : (ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه) ومعنى هذا أن جميع ما يحتاج إليه المسلمون في دينهم لابد أن يبينه الله في كتابه العزيز ويبلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم عنه فلا حاجة بعد هذا لأحد في السؤال فإن الله تعالى أعلم بمصالح عباده منهم ، فما كان فيه هدايتهم ونفعهم فإن الله تعالى لابد أن يبينه لهم ابتداء من غير سؤال كما قال : (يبين الله لكم أن تضلوا)
وحينئذ فلا حاجة إلى السؤال عن شيء ولا سيما قبل وقوعه والحاجة إليه وإنما الحاجة المهمة إلى فهم ما أخبر الله به ورسوله ثم اتباع ذلك والعمل به

وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يسأل عن المسائل فيحيل على القرآن كما سأله عمر بن الخطاب عن الكلالة ، فقال : (يكفيك آية الصيف)
وهي قولُه تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} الَّتي في آخِرِ سُورةِ النِّساءِ اية 179 وهي الَّتي نَزلَتْ في الصَّيفِ
وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن في الاشتغال بامتثال أمره واجتناب نهيه شغلا عن المسائل ، فقال : (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)

قال الأمام النووي في شرحه لهذا الحديث: هذا الحديث من قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلي الله عليه وسلم ، ويدخل فيه ما لا يحصي من الأحكام كالصلاة بأنواعها ، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتي بالباقي ، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن ، وإذا وجد ما يستر بعض عورته أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن ، وأشباه هذا غير منحصرة وهي مشهورة في كتب الفقه والمقصود التنبيه على أصل ذلك
وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم)
وأما قوله تعالى : (اتقوا الله حق تقاته) ففيها مذهبان
أحدهما : أنها منسوخة بقوله تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم)
والثاني : وهو الصحيح أو الصواب وبه جزم المحققون أنها ليست منسوخة بل قوله تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم) مفسرة لها ومبينة للمراد بها
وقالوا : وحق تقاته : هو امتثال أمره واجتناب نهيه ، ولم يأمر سبحانه وتعالى إلا بالمستطاع قال تعالى : (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)
وقال تعالى : (وما جعل عليكم في الدين من حرج) - والله أعلم

واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة وهذا منقول عن الإمام أحمد
وقال ابن فرج في شرح الأربعين قوله : (فاجتنبوه): هو على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب بالإيمان كما نطق القرآن
وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى في شرح السنة: المسائل على وجهين
أحدهما : ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إلي من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) على ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما
ثانيهما : ما كان على وجه التعنت والتكلف وهو المراد في هذا الحديث والله أعلم

وقال ابن العربي رحمه الله تعالى : كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم فأما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهية الكلام في المسائل التي لم تقع
قال : وإنه لمكروه إن لم يكن حراما إلا للعلماء فإنهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم
فالذي يتعين على المسام الاعتناء به الاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ، ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معاينة ، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية ، وإن كان من الأمور العلمية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب ما ينهى عنه فتكون همته مصروفه بالكلية إلى ذلك لا إلى غيره ، وهكذا كان حال أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة
فأما إن كانت همة السامع مصروفه عند سماع الأمر والنهى إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع ، فإن هذا مما يدخل في النهى ويثبط عن الجد في متابعة الأمر

وقد سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر فقال له : رأيت النبي صلي لله عليه وسلم يستلمه ويقبله
فقال له الرجل : أرأيت إن غلبت عنه ؟ أرأيت إن زوحمت ؟
فقال له ابن عمر : اجعل أرأيت باليمن ، رأيت رسول الله صلي الله علية وسلم يستلمه ويقلبه
ومراد ابن عمر أن لا يكون لك هم إلا في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا حاجة إلى فرض العجز عن ذلك أو تعسره قبل وقوعه ، فإنه يفترض العزم على التصميم على المتابعة فإن التفقه في الدين والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال
وروى عن على رضي الله عنه أنه ذكر فتنا تكون في آخر الزمان فقال له عمر : متى ذلك يا على ؟
قال : إذا تفقه لغير الدين ، وتعلم لغير العمل ، والتمست الدنيا بعمل الآخرة

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ، وتتخذ سنة فإن غيرت يوما قيل : هذا منكر
قال : إذا قلت أمناؤكم ، وكثرت أمراؤكم ، وقلت فقهاؤكم ، وكثرت قراؤكم ، وتفقه لغير الدين ، والتمست الدنيا بعمل الآخرة
ولهذا المعني كان كثير من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبل وقوعها ولا يجيبون عن ذلك

قال عمر بن مرة : خرج عمر على الناس فقال : أحَرِج عليكم أن تسألونا عما لم يكن فإن لنا فيما كان شغلا
وكان زيد بن ثابت سئل عن شيء يقول : كان هذا ؟
فإن قالوا : لا
قال : دعوه حتى يكون
وعن الصلت بن راشد ، قال : سألت طاووسا عن شيء فانتهرني فقال : أكان هذا ؟
قلت : نعم
قال : آلله ؟
قلت : الله
قال : إن أصحابنا أخبرونا عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (يا أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم هاهنا وهاهنا ، فأنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد أو وفق)
وقال الحسن : (شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل يعمون بها عباد الله)
وقال ابن وهب عن مالك : (أدركت هذه البلدة وإنهم ليكرهون الإكثار الذي فيه الناس اليوم) - يريد المسائل
وقال أيضا : سمعت مالك وهو يعيب كثرة الكلام وكثرة الفتيا ثم قال: (يتكلم كأنه جمل مغتلم يقول : هو كذا هو كذا : يهدر في كلامه)
وقال : سمعت مالكا يكره الجواب في كثرة المسائل وقال : قال الله عز وجل : (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى) فلم يأته في ذلك جواب ، فكان مالك يكره المجادلة عن السنن
وكان مالك رحمه الله يقول : (المرء والجدال في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل)
وكان يقول : (المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغن)

وقد انقسم الناس في هذا الباب أقساما
فمن أتباع أهل الحديث من سد باب المسائل حتى يقول فهمه وعمله بحدود ما أنزل الله على رسوله وصار حامل فقه غير فقيه
ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل قبل وقوعها ما يقع في العادة منها وما لا يقع ، واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك وكثرة الخصومات فيه والجدال عليه حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب ويستقر فيها بسبه الأهواء والشحناء والعداوة والبغضاء ، ويقترن ذلك كثيرا بنيه المغالبة وطلب العلو والمباهاه وصرف وجوه الناس وهذا مما ذمه العلماء الربانيون ودلت السنة على قبحه وتحريمه : فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (من طلب العلم ليباهي به العلماء ، ويماري به السفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه فهو في النار)
المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6382 - خلاصة حكم المحدث : حسن

وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله وما يفسره من السنن الصحيحة وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان و عن سنة رسول اله صلي الله علية وسلم ومعرفة صحيحها وسقيلها ، ثم تفقه فيها وفهمها والقوف على معانيها ، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم والتفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول ألسنه والزهد والرقائق وغير ذلك ، وهذا هو طريق الإمام أحمد ومن يوافقه من علماء الحديث الربانيين

وفي الجملة : فمن امتثل ما أمر به النبي صلي الله عليه وسلم وانتهى عما نهى عنه ، وكان مشتغلا بذلك عن غيره حصل له النجاة في الدنيا والآخرة
ومن خالف ذلك وأشتغل بخواطره وما يستحسنه وقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من حال أهل الكتاب الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم وعدم انقيادهم وطاعته لرسلهم
وقوله صلي الله عليه وسلم : (إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
يأخذ منه أن النهى أشد من الأمر لأن النهى لم يرخص في ارتكاب شيء منه والأمر قيد بحسب الاستطاعة ولذلك قال صلي الله عليه وسلم : (أتق المحارم تكن أعبد الناس)
وقال بن عمر رضي الله عنه : لرد دانق مما يكرهه الله أحب إلى الله من خمسمائة حجه
وقال بن المبارك رحمه الله تعالى : لأن أرد درهما من شبهة أحب إلى من أن أتصدق بمائه آلف ، ومائه آلف ، حتى بلغ ستمائة آلف
ولما رأى الفضيل ولده يمسح كفة الميزان قبل الوزن ، قال له : إن عملك هذا أفضل عند الله تعالى من حجتين وستين عمره
نسأل الله تعالى التوفيق