موقع السراج

Alsiraj Banner Image

وصايا النبي صلى الله عليه و سلم
أهمية الدعوة إلى الله

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب على متعمدا فليتنبوأ مقعده من النار)
مدح الله تعالى الأمة الإسلامية بقوله : (كنتم خيرا أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح كما قال قتادة : بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها ، أي من الناس دعة ، فقرأ هذه الآية : (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ثم قال : (من سره أن يكون من هذه الأمة ، فليؤد شرط الله فيها) ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى : (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) وفي هذه الوصية عظم النبي صلي الله عليه وسلم شأن الدعوة إلى الله تعالى ، وأمر أمته بالبلاغ ، فقال : (بلغوا عني ولو آية) فلا حجة لمسلم بعد هذا في ترك الدعوة إلى الله تعالى قال المعافي النهرواني ـرحمه الله ـ في قوله صلي الله عليه وسلم : (ولو آية) : أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبلغ ما وقع له من الآي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلي الله عليه وسلم

هذا والعصر الذي نعيش فيه هو أشد العصور فقرا إلى الاتصال بالسماء ، والانعطاف إلى الدن ، والتوقير لكلمات الله فالعالم ـ اليوم ـ يحتاج إلى أن يعرف الله كما عرف نفسه إلى عباده في القرآن محتاج إلى أن يعرف "محمدا " صلي الله عليه وسلم وأن يدرس سيرته دراسة بعيدة عن التزايد والأهواء محتاج إلى أن جملة الحقائق التي جاء بها الإسلام من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات ولو أن الأقدار يسرب تقريبه وتحقيقه للعالمين لا ستفاد منه البشر أجمعون . ولكن كم خسر العلم من انحطاط المسلمين ؟ روى ابن وضاح في كتاب "البدع والنهي عنها": عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أخذ الحصاة بيضاء ، فوضعها في كفه ، ثم قال : إن هذا الدين قد استضاء إضاءة هذه الحصاة ثم أخذ كفا من تراب ، فجعل يذره على الحصاة حتى واراها ، ثم قال : والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون الدين كما أخبر النبي صلي الله عليه وسلم
فعن أبي أيوب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله) - المستدرك على الصحيحين - كتاب الفتن والملاحم

ودور الأمة الإسلامية ـ اليوم ـ : محاولة استعادة مجدها بتجديد ما اندرس من معالم دينها في حياتها فوظيفتها في حياتها . فوظيفتها آلتي خلقت من أجلها : حراسة وحي السماء ، وإبقاء مناره عاليا يومض بالإشعاع الهادي كي يهتدي به السائرون في ظلمات البر والبحر (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) إن وقوف الأمة الإسلامية في خندق واحد للدفاع عن حرمات دينها والذود عن حياضه ، وتطبيق أحكامه واحترام جنابه ، هو السبيل الوحيد لإنقاذ نفسها من وهدتها السحيقة التي سقطت فيها
(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) وها هو النبي صلي الله عليه وسلم يأمرنا بالاستنفار العام ، فيقول : " بلغوا عني ولو آية " .إن قيام جماهير الأمة الإسلامية ـ فيما مضي ـ بذلك الواجب ابقى شعائر الإسلام حية في المجتمع ، وجعل أمام العصاة والمنحلين حواجز مرهبة ، ولن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها (فهل من مدكر)

قوله صلي الله عليه وسلم : (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) : لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم منه صلي الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل الوسع في ذلك ، وكن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة ، ثم ما زال المخدور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار
وقيل : معني قوله : (ولا حرج) : لا تضيق صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك وقع لهم كثيرا
وقيل : لا حرج في أن تحدوا عنهم لأن قوله أولا : " حدثوا " صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى عدم الوجوب وأن الأمر فيه للإباحة بقوله : " ولا حرج " أي في ترك الحديث عنهم وقال مالك رحمه الله تعالى : المراد :جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن أما ما علم كذبه فلا وقيل المعني حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح
وقال الشافعي رحمه الله تعالى : من المعلوم أن النبي صلي الله عليه وسلم لا يجير التحدث بالكذب ، فالمعني : حدثوا عن نبي إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم ، وهو نظير قوله : (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) ولم يرد الإذن ولا المنع من التحدث بما يقطع بصدقه

خلاصة القول في حكم رواية الإسرائيليات
وخلاصة القول في حكم رواية الإسرائيليات : أن ما جاء لما في شرعنا صدقناه ، وجازت روايته ، وما جاء مخالفا لما في شرعنا كذبناه وحرمت روايته إلا لبيان بطلانه ، وما سكت عنه شرعنا توقفنا فيه : فلا نحكم عليه بصدق ولا بكذب ، وتجوز روايته ، لأن غالب ما يروى من ذلك راجع إلى القصص والأخبار ، لا إلى العقائد والأحكام ، وروايته ليست إلا مجرد حكاية له كما هو في كتبهم أو كما يحدثون به بصرف النظر عن كونه حقا أو غير حق

قال الشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد ، فإنها على ثلاثة أقسام
أحدهما : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق . فذاك صحيح
الثاني : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه
الثالث : ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ، ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نكذبه ، ويجوز حكايته ، وغالب ذلك ما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا ، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب أهل الكهف ولون كلبهم ، وعدتهم ، وعصا موسى عليه السلام من أي شجر كانت ، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم وتعيين البعض الذي ضرب به المقتول من البقرة ، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى ، إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم ، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى : (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا)

فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا ، فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين ، وسكت عن الثالث ، فدل على صحته ، إذ لو كان باطلا لرده كما ردها ، ثم أرشد إلى أن الإطلاع على عدتهم لا طائل تحته ، فيقال في مثل هذا : " قل ربي أعلم بعدتهم " فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ، ممن أطلعه الله عليه
فلهذا قال : (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا) أي : لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ، ولا تسألهم عن ذلك ، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام ، وأن يبينه على الصحيح منها ويبطل الباطل ، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته ، لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فيشغل به عن الأهم . فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص ، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه
ومن يحكي الخلاف ويطلق ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا ، فإن صحح غير الصحيح عامدا تعمد الكذب ، أو جاهلا فقد أخطأ
كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته ، أو حكي أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معني فقد ضيع الزمان ، وأكثر مما ليس بصحيح ، فهو كلابس ثوبي زور والله الموفق للصواب)
وعلى ما تقدم ، فينبغي على الداعية غربلة كل ما يقرأ من قصص وحكايات خشية الوقوع في تكذيب نص من نصوص الشرع المطهر ، فيقع في المحظور ، ولا يسلم من الإثم

قوله صلي الله عليه وسلم : (ومن كذب على متعمدا فلتبوأ مقعده من النار) معناه : فلينزل ، وقيل : فليتخذ منزلة من النار
وقيل : إنه دعاء بلفظ الأمر . أي : بوأه الله ذلك
وقيل : هو خبر بلفظ الأمر . أي معناه فقد استوجب ذلك ، فليوطن نفسه عليه
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ ما مختصره ومعناه : ثم معني الحديث : أن هذا جزاؤه ، قد يجازي به ، وقد يعفو الله عنه ، ولا يقطع عليه بدخول النار وهكذا سبيل كل ما جاء من الوعيد بالنار لأصحاب الكبائر ، غير الكفر ، فكلها يقال فيها هذا جزاؤه ، وقد يجازي وقد يعفي عنه ثم إن جوزي وأدخل النار فلا يخلد فيها بل لا بد من خروجه منها بفضل الله تعالى ورحمته ولا يخلد في النار أحد مات على التوحيد . وهذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة وأما الكذب فهو الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عمدا كان أو سهوا ...ولا إثم على الناسي والغالط

واعلم أن هذا الحديث يشتمل على فوائد وجمل من القواعد
إحداهما : تقرير هذه القاعدة لأهل السنة أن الكذب يتناول إخبار العامد

الثانية : تعظيم تحريم الكذب عليه صلي الله عليه وسلم وأنه فاحشة عظيمة ، وموبقة كبيرة ، ولكن لا يكفر بهذا الكذب إلا أن يستحله . هذا هو المشهور من مذاهب العلماء من الطائف
وقال الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين أبى المعالي : يكفر بتعمد الكذب عليه صلي الله عليه وسلم
وحكاه إمام الحرمين عن والده وأنه كان يقول في درسه كثيرا : من كذب على رسول الله صلي الله عليه وسلم عمدا كفر وأريق دمه
وضعف إمام الحرمين هذا القول ، وقال : إنه لم يره لأحد من الأصحاب وإنه هفوة عظيمة

الثالثة : أنه لا يفرق في تحريم الكذب عليه بين ما كان في الأحكام ، وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغي ذلك فكله حرام من أكبر الكبائر ، وأقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع خلافا للكراهية المبتدعة في زعمهم الباطل : أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب !! وتابعهم على هذا كثيرون من الجهلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد... وزعم بعضهم أن هذا كذب له ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا كذب عليه !!. فخالفوا صريح هذه الأحاديث المتواترة ، والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظام شهادة الزور خالفوا أهل الحل والتعقد وغي ذلك من الدلائل القطعيات في تحريم الكذب على آحاد الناس ، فكيف بمن قوله شرع ، وكلامه وحي ؟

وفي الحديث : (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)
وقال العلماء : ينبغي لمن أراد رواية حديث أن ينظر فإن كان صحيحا أو حسنا ، قال : قال رسول الله ، وإن كان ضعيفا فلا يقل : قال ، أو فعل ، أو مر ، أو نهى . بل يقول : (روى) أو (يذكر) أو (يحكي) أو (بلغنا)
وإذا اشتبه عليه لفظ في حديث يقول : أو كما قال والله أعلم
اللهم نسألك إيمانا دائما ، وقلبا خاشعا ، ولسانا صادقا