موقع السراج

Alsiraj Banner Image

هل الإسراء و المعراج رؤيا أم رؤية؟

في سورة الإسراء آية 60
يقول الله تعالى : ((وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا))
من خواطر الشيخ الشعراوي حول هذه الآية الكريمة

يريد الله تعالى ان يختبر المؤمن المنوط بمسئولية حمل الرسالة الخاتمة للبشر حتى يظهر ضعيف الإيمان و يذهب بعيدا و لا يبقى إلا قوي الإيمان القادر على تحمل هذه المسئولية الكبيرة و من هنا يظهر الحكمة من قوله تعالى في هذه الآية : (( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ))
فــ (الرؤية) من الفعل رأى و تعني رؤية الشيء بالعين
أما (الرؤيا) فهى من نفس الفعل رأى لكنها تعني ما نراه في المنام
و الآية تخص المعنى الثاني أي الرؤيا في المنام
فأي رؤيا يقصدها الله تعالى التي تمثل فتنة للناس؟ و ما الذي جعلها تفتن الناس؟

هنا إختلف العلماء فالرأي الأول يقول
هي الرؤيا الخاصة بفتح مكة حيث قال تعالى: ((لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)) – سورة الفتح آية 27 و قد نزلت وقت الحديبية عندما حاول المسلون آداء العمرة فمنعهم كفار قريش فكانت الفتنة الشهيرة عندما أمر الرسول صلى الله عليه و سلم المسلمون بذبح أضحيتهم و حلق رؤوسهم و العودة للمدينة فلم ينفذوا و خاف النبي صلى الله عليه و سلم أن يغضب الله تعالى عليهم و من وجدت الحل للأزمة كانت السيدة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها عندما نصحت النبي صلى الله عليه و سلم أن يبدأ هو بالتنفيذ و هم سيتبعوه بالتنفيذ و عذرهم حزنهم الشديد على عدم الدخول إلى مكة فعمل النبي صلى الله عليه و سلم بوصيتها و تبعه المسلمون و انتهت هذه الفتنة ثم أوضح الله تعالى الحكمة من عدم السماح لهم في هذا الوقت بالدخول إلى مكة حيث قال تعالى : ((هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) – سورة الفتح آية 25 و المقصود أن مكة في هذا الوقت كان بها مسلمون يكتمون إيمانهم خوفا من بطش الكفار فلو هاجم المسلمون فقد يقتلوا هؤلاء دون علم و لو خرج هؤلاء من مكة لسمح الله للمسلمين بدخولها أما و هم مازالوا فيها يكتمون إسلامهم فإن الله تعالى أبى ان يدخلها المسلمون حرصا على حياة هؤلاء

و الرأي الثاني يقول
هي الرؤيا التي رأها النبي صلى الله عليه و سلم قبل غزوة بدر عندما رأي مصارع الكفار

أما رأي جمهور العلماء
المدقق من العلماء لاحظ أن الآية (مكية اي نزلت في مكة) أما مسألة الحديبية و غزوة بدر فهما قد وقعتا في المدينة و من ثم فجمهور العلماء أن الرؤيا المقصودة هي الرؤيا في أول السورة و هي ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى))
فهل كان الإسراء و المعراج رؤية (واقع حقيقي رأي العين) أم رؤيا (أي رآه النبي صلى الله عليه و سلم في المنام )؟؟؟
لا والله كان واقعا حقيقيا و لا يوجد أدنى شك في ذلك فلماذا إذن عدلت الآية عن قول ((رؤية)) إلى ((رؤيا)) إذا كان المقصود واقعة الإسراء و المعراج؟؟؟؟

أولا: في كلام العرب عندما تقع حادثة مذهلة للعربي يقول عليها ((رؤيا)) رغم أنه عاشها واقعا و لا علاقة لها بالمنام و هو ما يشبه في عصرنا الحالي عندما ترى أمرا مذهلاً لك فتقول (هذا الأمر ولا في الأحلام) اي انه واقع يتجاوز حدود الحلم فهي مبالغة في غرابة الحدث و إبهاره

ففي لغة العرب تطلق ((رؤيا)) على المنامية وعلى البصرية، بدليل قول شاعرهم الذي فرح بصيد ثمين عن له

وبشر نفساً كان قبل يلومها فكبر للرؤيا وهاش فؤاده

أي : قال الله اكبر حينما رأى الصيد الثمين يقترب منه، فعبر بالرؤيا عن الرؤية البصرية للمبالغة في تعظيم ما رأى كأنه أمر لا يرى إلا في المنام

ثانيا: باقي الآية يؤكد المعنى الذي وضحناه فلو كانت واقعة الإسراء و المعراج هي رؤيا في المنام فهل كانت ستحدث فتنة بين الناس؟ هل هناك عجيب في رؤيا في المنام؟ بالطبع لا فأي إعجاز هذا في الأحلام فلو كانت الواقعة مناماً ما أحدثت فتنة أما و كونها واقعاً حقيقياً هنا تحدث الفتنة فهناك مصدق و مكذب و هو ما حدث و ظهر من رد فعل الكفار الذين بادروا بقول: (نحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرا و انت تدعي انك اتيتها في ليلة؟) بينما قال ابو بكر رضي الله تعالى عنه : (إن كان قال فقد صدق) و من هنا كانت الفتنة بين مصدق و مكذب

ثالثا: في (الرؤيا) المنامية ينعدم تأثير الزمن فقد تحلم أنك سافرت إلى القمر و عدت فالزمن لا تأثير له في المنام و من هذا الوجه أيضاً تشابهت واقعة الإسراء و المعراج مع الرؤيا في ان الإعجاز فيها ليس في الذهاب لبيت المقدس فالعرب كانوا يذهبون لبيت المقدس لكن المعجزة في انعدام تأثير الزمن فالعرب يقطعون المسافة في شهر أما النبي صلى الله عليه و سلم قد ذهب و عاد في نفس الليلة أي ان عنصر الزمن قد انعدم و من هنا وصفها الله تعالى (بالرؤيا) لانها تشبه الرؤى في انها لا زمن لها

إضافة السراج
هناك ملاحظاتان نود أن نضيفهما في نفس الموضوع و هما

  1. تكذيب كفار قريش و الفتنة التي أحدثتها حادثة الإسراء و المعراج يعتبر أكبر دليل أنها ليست مناماً فلو كانت حلماً لما صار هناك مبرر للعجب و إنما الفتنة حدثت لأنهم فهموا أن النبي صلى الله عليه و سلم عندما سرد الواقعة كان يقصد أنها واقع و ليست حلماً لهذا قالوا: ( كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس ، شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا)
  2. كان الإسراء بالجسد و الروح معاً لا بالروح فقط و الأدلة على ذلك ما يلي

    • العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى : ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)) قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به
    • قال تعالى في سورة النجم أية 17 عن واقعة الإسراء و المعراج : ((مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)) والبصر من آلات الذات لا الروح
    • من المؤكد أن النبي صلى الله عليه و سلم قد حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ليلة اللإسراء و المعراج و هذا دليل أنه صلى الله عليه و سلم قد اسري به بجسده فلو كان الإسراء بالروح لا الجسد لما احتاج البراق لأن الروح في حركتها لا تحتاج إلى مركب تركب عليه