موقع السراج

Alsiraj Banner Image

باب في الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر

عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( أعذر الله الى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة )) - رواه البخاري

معاني الحديث الشريف
قال العلماء معناه لم يترك له عذر يعتذر به في ترك صالح الاعمال اذا أمهله هذه المدة يقال أعذر الرجل اذ بلغ الغاية في العذر و قال التوربشتي : و منه قولهم : أعذر من انذر أي اتى بالعذر و أظهره و هذا مجاز من القول فان العذر لا يتوجه على الله و انما يتوجه له على عبيدة و حقيقة المعنى فيه ان الله تعالى لم يترك للعبد شيئا في الاعتذار يتمسك به

عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) - رواه مسلم و ابن ماجه

معاني الحديث الشريف
يبعث: بالبناء للمفعول
كل عبد: و المراد منه المكلف و لو حرا و امرأة
على ما مات عليه: حتى يبعث صاحب المزمار و مزماره في يده ففيه تحريض للانسان على حسن العمل و ملازمة السنن المحمدية في سائر الاحوال و الاخلاص لله تعالى في الاقوال و الاعمال ليموت على تلك الحالة الحميدة فيبعث كذلك و في ختم المصنف هذا الباب بهذا الحديث كمال الحسن فانه محرض على تحسين العمل و الازدياد من الطاعات في سائر الاوقات لاحتمالها للموت و في اواخر العمر و سن الكبر و حال المرض أولى

عن أنس رضي الله عنه قال : ان الله عز و جل تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه و سلم قبيل وفاته حتى توفي أكثر ما كان الوحي - متفق عليه

معاني الحديث الشريف
عن أنس رضي الله عنه قال : ان الله عز: غلب فلا يغالب على مراده
و جل: عما لا يليق بشأنه
تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه و سلم: فيه الاظهار في مقام الاضمار اشارة الى كمال التشريف له الله صلى الله عليه و سلم و تبركا بذكر اسمه تعالى و تلذذا به
قبيل: بالتصغير
وفاته: و ذلك لتكمل الشريعة و لا يبقى مما يوحي اليه به شئ
حتى: غاية للمبالغة
توفي: بالبناء للمجهول
أكثر ما كان الوحي: أي وقت أكثريته و لما تكامل ما أريد انزاله للعالم مما به انتظام معاشهم و معادهم قال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فتوفي بعده النبي صلى الله عليه و سلم بأشهر

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع اشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه
فقال : لم يدخل هذا معنا و لنا ابناء مثله ؟
فقال عمر رضي الله عنه : انه من حيث علمتم فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت انه دعاني يومئذ الا ليريهم
قال : ما تقولون في قول الله تعالى : إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - سورة النصر اية 1 فقال بعضهم : امرنا نحمد الله و نستغفره اذا نصرنا و فتح علينا و سكت بعضهم فلم يقل شيئا
فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟
فقلت : لا
قال : فما تقول؟
قلت : هو أجل رسول الله أعلمه الله له قال إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ و ذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك و استغفره انه كان توابا فقال عمر رضي الله عنه : ما أعلم منها الا ما تقول - رواه البخاري و الترمذي

معاني الحديث الشريف
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع اشياخ بدر: أي يدخله معهم في المشورة و المهمات و ادخاله معهم مع كبر سنهم لكبر قدره بما عنده من العلوم و المعارف و قد كان يسمى البحر لسعة علمه
فكأن بعضهم: قال ابن النحوي : هو عبد الرحمن ابن عوف كما صرح به في البخاري في موضع اخر
وجد: غضب
في نفسه: من ذلك
فقال : لم يدخل هذا معنا و لنا ابناء مثله ؟: : أي قال لعمر رضي الله عنه لم يدخل هذا معنا و لنا ابناء مثله في السن و يحتمل ان يكون في لقي النبي صلى الله عليه و سلم ايضا بالنسبة لبعضهم
فقال عمر رضي الله عنه : انه من حيث علمتم: : أي من بيت النبوة و منبع العلوم و مصدر الاراء السديدة ثم اراد زيادة بيان لشرفه بكثرة علمه المقتضي لتقدمه فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت: أي علمت بقرائن الاحوال و في الاصل معتمد من صحيح البخاري "فما أريته" بصيغة المجهول أي ظننته
انه دعاني يومئذ الا ليريهم: أي يعلمهم
قلت : هو أجل رسول الله أعلمه الله له: أي للنبي أي ان المراد من السورة تنبيهه على ما يعرف به قرب اجله و على ما يأتي به حينئذ قال تعالى إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ : نبيه على اعدائه
وَالْفَتْحُ: فتح مكة و قيل المراد جنس نصر الله المؤمنين و فتح مكة و سائر البلاد عليهم
وَرَأَيْتَ: أي بصرت
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ: أي الاسلام
أَفْوَاجاً: أي جماعات بعدما كان يدخل فيه واحد بعد واحد و ذلك بعد فتح مكة
و ذلك علامة أجلك: أي النصر و ما بعده علامة قرب انتهاء أجلك قال البيضاوي في التفسير لعل ذلك لدلالتها على تمام الدعوة و كمال أمر الدين فهي كقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ او لان الامر بالاستغفار ينبه على دنو الاجل : أي لانه يكون في خواتم الامور و لذا كان صلى الله عليه و سلم يستغفر بعد صلاته و اذا خرج من الخلاء و اذا افاض و لذا سميت سورة التوديع و الاكثر على ان هذه السورة نزلت قبل فتح مكة و انه نعي لرسول الله كان صلى الله عليه و سلم قال ابو حيان في النهر نزلت في ايام التشريق بمنى في حجة الوداع فعاش بعدها ثمانين يوما
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ: أي متلبسا
وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً: على العباد و كان صلى الله عليه و سلم بعد نزول هذه السورة يكثر من قوله (سبحانك اللهم و بحمدك اللهم أغفر لي) و في رواية استغفرك و أتوب اليك

(فقال عمر رضي الله عنه : ما أعلم منها الا ما تقول) : أي فأشار الى ان سبب تقديمه له على اخوانه و اقرانه هو سعة علمه و كمال فهمه

عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( ما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ان نزلت عليه إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ الا يقول فيها : سبحانك ربنا و بحمدك اللهم أغفر لي )) - متفق عليه

و في رواية في الصحيحين عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر ان يقول في ركوعه و سجوده (سبحانك اللهم ربنا و بحمدك اللهم أغفر لي ) يتأول القران

معنى يتأول القران: أي يعمل ما أمر به في القران في قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك و استغفره)

و في رواية مسلم : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر ان يقول قبل ان يموت (سبحانك اللهم و بحمدك استغفرك و اتوب اليك) قالت عائشة رضي الله عنها قلت : يا رسول الله ما هذه الكلمات التي اراك احدثتها تقولها ؟ قال صلى الله عليه و سلم : جعلت لي علامة في أمتي اذا رأيتا قلتها إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ الى اخر السورة

و في رواية له كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر من قول (سبحان الله و بحمده أستغفر الله و أتوب اليه) قالت قلت يا رسول الله اراك تكثر من قول (سبحان الله و بحمده أستغفر الله و أتوب اليه) فقال صلى الله عليه و سلم : أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي فاذا رأيتها أكثرت من قول : (سبحان الله و بحمده أستغفر الله و أتوب اليه) فقد رأيتها : إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ : فتح مكة وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً - سورة الفتح

معاني الحديث الشريف
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ان نزلت عليه إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ : و تسمى سورة النصر
الا يقول فيها: أي في ركوعها و سجودها
سبحانك: أي تنزيها لك عما لا يليق بك من كل نقص
اللهم: : يا الله
وبحمدك: الواو للحال و متعلق الظرف محذوف أي متلبسا بحمدك من أجل توفيقك لي و قيل عاطفة لجملة على جملة : أي انزهك و أتلبس بحمدك و قيل زائدة : أي أسبحك مع ملابسة حمدك و فدم التسبيح على التحميد لانه تنزيه عن النقائص و الحمد و ثناء بصفات الكمال و التخلية مقدمة على التحلية
اللهم أغفر لي: أي ما هو نقص بالنظر الى علي مقامي و ان لم يكن ذنبا في نفس الامر اذ الانبياء معصومون من الذنب مطلقا
يكثر ان يقول في ركوعه و سجوده " سبحانك اللهم ربنا و بحمدك اللهم أغفر لي ": ووجه عدم اخذ الفقهاء بقضية هذا الحديث حيث قالوا : انه يقول في الركوع : سبحان ربي العظيم و في السجود : سبحان ربي الاعلى دون ما ذكر في هذا الحديث من ان ما ذكروه هو ما واظب عليه صلى الله عليه و سلم طول عمره و غيره مما ضمه اليه تارة و اقتصر عليه اخرى