موقع السراج

Alsiraj Banner Image

الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم

آيات العقوبة...المعنى الحقيقي
سورة 18 الآية 74

تقول الآية الكريمة: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) - سورة الكهف أية 74

إذن ما القصة
هذه الآية من السورة الكهف و الفكرة الأساسية من هذه السورة الكريمة –كما يبدو من الإسم- أن بعض الأشياء قد تبدو من الخارج شر و لكن من الداخل تحمل الخير و الرحمة. فنحن كبشر رؤيتنا محدودة بعلمنا و من ثم فالله وحدة العالم بحقيقة الأمور لأنه سبحانه (العليم)

تبدأ هذه السورة بقصة مجموعة من الشباب آمنوا بالله فاضطهدوا و طوردوا لا لشيء سوى إيمانهم بالله تعالى فقرروا الفرار بإيمانهم و لجئوا الى كهف للإختباء حيث ناموا من الإجهاد . وفقا للقرآن الكريم ناموا 309 سنة و عندما استيقظوا وجدوا قومهم قد آمنوا بالله. هكذا تحول الكهف المظلم المهجور الى مأوى و ملاذ آمن لهؤلاء الشباب

و ما تتحدث عنه الآية رقم 74 هي قصة موسى و الخضر عليهما السلام. و تبدأ القصة بأمر من الله تعالى لموسى عليه السلام بالبحث عن أعلم أهل الأرض حينئذ ووصف تعالى لموسى عليه السلام بالتحديد الموقع الذي سيجد فيه هذا الشخص و هو الخضر عليه السلام. عندما تقابل الرجلان عليهما السلام طلب موسى عليه السلام من الخضر أن يعلمه مما آتاه الله تعالى من العلم فأوضح له الخضر عليه السلام أن هذا الأمر سيكون صعب الفهم على من لا يفهم الحكمة من وراء الأمور و لكن موسى عليه السلام أصر على أن يصحبه ليتعلم منه فكانت واحدة من أجمل الرحلات قام الخضر عليه السلام فيها بأفعال إنكرها موسى عليه السلام لأنه يحكم بظاهر الأمور و لا يعلم الحكمة وراءها. في نهاية هذه الرحلة شرح الخضر عليه السلام كل تصرف قام به و أنكره موسى عليه السلام ووضح له الحكمة وراءها. من هذه القصة تعلمنا أننا أحيانا نواجه أمور نظن –بعلمنا القاصر- أنها شر بينما في الحقيقة تكون من رحمة الله تعالى و علمه اللانهائي

ما تتحدث عنه الآية الكريمة هو أحد المواقف التي قام بها الخضر عليه السلام و أنكرها موسى عليه السلام و هي قصبة الصبي الذي قتله الخضر عليه السلام مما أغضب موسى عليه السلام غضبا شديدا لأنه عليه السلام –من وجهة نظرة- لم يجد مبررا لقتل الصبي...في نهاية القصة أوضح الخضر عليه السلام له الحكمة وراء هذا الفعل

و الآية الكريمة التي تشرح هذا الموقف تقول: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) - سورة الكهف أية 74
في نهاية القصة أوضح الخضر عليه السلام سبب قتل الصبي فتقول الآيات: (وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) – سورة الكهف: 80-81
ثم يقول الخضر عليه السلام: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) – سورة الكهف آية 82

أين المشكلة إذن؟
البعض يدعي أن الآية الكريمة رقم 74 من سورة الكهف هي دعوة للعنف و أنها تبرر القتل من أجل الشرف و هي أن أحد أفراد العائلة يقتل لأنه أقدم على فعل مخزي نال من شرف العائلة إما بسبب الإرتداد عن دينه أو بسبب سلوك أخلاقي مشين و رغم غرابة الإتهام فإن شاء الله سنجيب عليه

عما تعبر القصة إذن
القصة في الآية الكريمة هي سرد لقصة حقيقية تاريخية و بالتالي فهي ليست قاعدة عامة تبيح للناس القتل و تبرير هذا القتل إستدلالا بها. الآية تسرد واقعا تاريخيا لتعلمنا كبشر مبدأ عظيما (الأشياء السيئة قد تحدث لناس صالحين لكنها قد تكون في النهاية لخيرهم)

القتل محرم في كل الديانات بما فيها الإسلام و لم يتقبله موسى عليه السلام في القصة لهذا استشاط غضبا عندما أقدم عليه الخضر عليه السلام فقتل الصبي لذلك فإن محاولة الإيحاء أن هذه القصة ذكرت في القرآن لتعطي حكما عاما لهو السخف بعينه

فكيف بالله عليك تربط هذه القصة بالقتل من أجل الشرف...كيف نغفل حقيقة أن الخضر عليه السلام لا تربطه صله بالصبي فهو ليس من أهله. الخضر عليه السلام لم يقتل الصبي لأنه سيء الأخلاق و إلا لوجدنا من هم مثل الخضر عليه السلام يقتلون سييء الأخلاق من الناس. الصبي مات لأنه وقت وفاته فدور الخضر عليه السلام هنا كدور ملك الموت الذي يؤمر بقبض الأرواح و لا علاقة لذلك بالقتل من أجل الشرف

القتل محرم في الإسلام تحت أي ظرف –إلا بحكم قضائي قصاصا منه لجريمة ارتكبها و تناط الأحكام بجهة محددة تُسنَدُ إليها، وهي السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والسلطة التشريعية، وكل جهة من هذه الجهات الثلاث تُعَدُّ هي ولي الأمر المسموح له إصدار هذه الأحكام و تنفيذها- و المبرر الوحيد للفرد هو القتل دفاعا عن النفس هذه القاعدة تطبق على الأفراد و الدول فيبيح الإسلام للدولة التي تتعرض للإعتداء أن تدافع عن نفسها و كذلك الفرد الذي يتعرض للإعتداء له أن يدافع عن نفسه أما ما يسمى بـ (القتل من أجل الشرف) بمعنى قتل شخص لسوء سلوكه فلا يباح في الإسلام

من هو الخضر عليه السلام
الخضر عليه السلام هو عبد من عباد الله تعالى و مع الأسف لا نعلم عنه الكثير فبعض علماء الدين يعتبرونه أحد الأنبياءو البعض الآخر يعتبره من الملائكة لكن ما نعلمه يقينا أنه عبد من عباد الله لا يقوم بعمل إلا بأمر من الله تعالى لهذا فهو لم يقتل الصبي لأنه يريد ذلك و إنما لأن الله تعالى أمره بذلك

في آية أخرى وصف الله تعالى دور الخضر عليه السلام فقال: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) – سورة الكهف آية 65. في قصة الصبي قام الخضر –بأمر من الله تعالى- بدور ملك الموت. قلو تصورت أنك تسير بجوار ملك الموت و شاهدته يقبض أرواح من قدر له الموت بالطبع ستفزع و تغضب لأنك ستراه بعينيك يقتل بشرا دون سبب و لكن حقيقة الأمر أنه يقوم بدوره فيقبض الأرواح تنفيذا لأوامر الله تعالى لأن الموت –مع الأسف- ضروري لإستمرار حياة البشر...فلنتخيل حياة بدون موت كيف للأجيال القادمة أن تحيا و من أين تأكل و أين تمشي؟ قام الخضر عليه السلام بدور ملك الموت فهو ليس شخص عادي و إنما عبد من عباد الله مأمور بما يفعل...هذه صفة خاصة بالخضر عليه السلام...هذا دوره الذي أوكله الله تعالى له لهذا لا يحق لأي إنسان أن يدعي أن من حقه القيام بدوره أو الإدعاء أن الله تعالى أمره بذلك

الإستنتاج
محور القصة هو أن الموقف العصيب قد يكون له نتائج جيدة و الهدف منها ألا نصاب بالإحباط إذا حدث شيء يبدو سيئا إن كنت إنسانا صالحا متيقذ الضمير فإن الله تعالى حتما سيخرج لك من باطن المحنة منحة و سيكافئك لصبرك في وقت الشدة...إذن فالآية دعوة للأمل و إيضاح أن الأمور المؤلمة قد تحدث للصالحين و لكن يجب ألا يقنطوا لأن ما يبدو لنا بعلمنا المحدود عسرا قد يخرج الله تعالى من باطنه يسرا . إذن فالآية الكريمة دعوة للناس لمواجهة مشاكلهم و بداخلهم ثقة تامة في الله تعالى العادل الرحيم و أنه تعالى لن يتخلى عن عبيده و سيعينهم حتما في شدتهم

أين العنف إذن؟ كيف يتم تزوير الحقيقة و ليها لهذا الحد لتعنى الآية عكس المقصود منها؟ الإجابة الحقيقية توجد في الآية الكريمة حيث قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) - سورة الحج آية 46